من هي نور الهدى محمد سلطان الشعراوي التي يحتفل غوغل بذكرى عيد ميلاد؟ ولماذا تستحق أن يتم الاحتفال بها؟
تعد هدى واحدة من أبرز الناشطات المصريات اللاتي شكلن تاريخ الحركة النسوية في مصر في نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين.
ولدت عام 1879 لأسرة ارستقراطية في محافظة المنيا بصعيد مصر، هي ابنة محمد سلطان باشا، رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي توفيق. توفي والدها وهي طفلة. نشأت مع أخيها عمر في منزل والدها في القاهرة تحت وصاية ابن عمتها علي شعراوي، والذي أصبح الواصي الشرعي والوكيل على أملاك أبيها المتوفي.
ولكون عائلتها من الطبقة العليا فقد حصلت على ميزة لم تتملكها معظم بنات عصريها فقد تمكنت من الحصول على دروسًا منزلية على يد معلمين. كما كان بإمكانها حضور دروس في اللغة العربية، والتركية، والفرنسية، والخط، والبيانو، وحفظت القرآن في سن التاسعة. كن جنسها ظل يشكل عائقاً أمام استكمال دراستها. ومنذ مرحلة البلوغ تعرضت شعراوي للعديد من أوجه التفرقة الجنسية.
قامت والدتها بتزويجها من ابن عمتها والواصي عليها علي شعراوي وهي في عمر الـ13 بينما كان زوجها يكبرها بـ 40 عامًا، وكان متزوج ولديه 3 بنات، إلا أن والدتها أقنعته نجحت والدة هدى في إتمام أمر غير مألوف من أجل ابنتها. وهو أن ينص عقد الزواج على كونه أحادياً أي ألا يكون زوج ابنتها متزوجاً من أخرى وإلا يعتبر العقد لاغياً تلقائياً.
وبعد عام من زواجها اكتشفت عودة زوجها إلى زوجته الأولى، فانفصلت عنه ولكن بقيت على ذمته لمدة 7 سنوات، واعتبرت هذه الفترة هي الفترة اتي بدأت فيها "استقلاليتها". فقد استطاعت أن تكمل دراستها للفرنسية، كما أنها التقت بثلاث نساء كان لهن تأثير كبير في حياتها: عديلة نبراوي، وهي صديقة مصرية كانت تصاحبها في النزهات، وعطية سقاف، تركية، من أقرباء والدتها من بعيد، وأوجيني لو بران، التي كانت سيدة فرنسية أكبر سنًا ومتزوجة من رجل من الأعيان الأثرياء، عين لاحقاً رئيساً للوزراء. وقد أصبحت لو بران صديقة لهدى ومرشدة وأم بديلة وقوة نسوية في حياتها.
في بداية القرن الـ19 بدأت الحركة النسوية في مصر بشكل سري، كانت المؤسسات الدينية في مصر هي المسيطر الأكبر على الخدمات الخيرية والاجتماعية. ونجحت هدى شعراوي وغيرها من النساء المصريات من الطبقتين العليا والوسطى، في أن تصبحهن رائدات في تأسيس الجمعيات الخيرية، وجمعيات الخدمة العامة لمساعدة المحتاجين من النساء والأطفال. كما أنشأن عام 1909 مستوصف للفقراء من النساء من الأطفال وتم توسيع نشاطه فيما بعد ليشمل توفير الخدمات الصحية، وذلك ردًا على معدلات وفيات الأطفال المتفشية في البلاد. من خلال هذا العمل، فتح المجال نحو عالم جديد وأدوار اجتماعية جديدة، أصبحت فيما بعد جزءاً من جدول أعمال الحركة النسوية المنظمة.
في بداية القرن العشرين قامت هدى شعراوي وجمعيتها النسوية بتسهيل عملية الانتقال من النشاط "الخفي" إلى حياة أكثر انفتاحًا، وقد قمن بنشر آرائهن النسوية في كتب ومقالات في الصحف الرائدة لنشر مفهوم ان الأدوار الاجتماعية هي من صنع المجتمع، وليست محددة بعد سنوات من تنظيم الاجتماعات والنقاشات، والزيارات الدولية من قبل الرائدات النسويات، وتنشيط جدول أعمال الحركة النسوية، تحدثت هدى شعراوي علناً لأول مرة عام 1918. في سن الاربعين، قررت شعراوي كسر التقاليد وتحدثت لإحياء ذكرى الأيقونة النسوية ملك حفني ناصف (باحثة البادية)، التي توفت فجأة. وذلك خلال حدث كان بمثابة تأبين نسوي.
في أواخر الحرب العالمية الأولى، أسس زعماء الحركة الوطنية الوفد المصري للمطالبة بالاستقلال. عندما تم ترحيل سعد زغلول ونفيه، عملت هدى شعراوي بجانب زوجها الذي عين نائباً لرئيس الوفد، في الكفاح الوطني من خلال حشد شبكة النساء والمساعدة في تنظيم أكبر مظاهرة نسائية مناهضة لبريطانيا. احتشدت النساء في الشوارع لأول مرة تنديدًا بالعنف والقمع الذي تمارسه السلطات البريطانية ضد الشعب المصري، واحتجاجًا على القبض على الزعماء الوطنيين.
عام 1920، قامت النساء اللاتي شاركن في مظاهرات 1919 والمتزوجات من زعماء وفديين بتأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات وانتخبت هدى شعراوي رئيسة لها. وقد لعبت الحرب العالمية الثانية دورًا مهمًا في توسيع نطاق الدعم الشعبي للوفد، من خلال تعزيز صلته بباقي الجمعيات النسائية. ومن ثم لعب دور مؤثر في الضغط على الحكومة البريطانية خلال مفاوضات الاستقلال على ضوء نفي سعد زغلول. استمرت شعراوي تعمل بنشاط كرئيسة للجنة الوفد المركزية للسيدات رغم وفاة زوجها في خضم الحركة الوطنية. واصلت نساء الوفد حملتهن للمطالبة بعودة الزعماء الوطنيين المحتجزين خارج البلاد. طالبت هدى شعراوي رئيس الوزراء البريطاني بالإفراج عن سعد زغلول والآخرين، ووقف الاستبداد الذي يمارسه البريطانييون في مصر.
في الذكرى الرابعة لأول مظاهرة للنساء الوطنيات (16 مارس 1923)، دعت شعراوي لجنة الوفد المركزية للسيدات إلى إنشاء جمعية نسوية مستقلة "لتدعيم وضع المرأة المصرية والمطالبة بحقوقها". بذلك تم تأسيس الاتحاد النسائي المصري وانتخبت هدى شعراوي رئيسة له. إلا أن الحركة واجهت انتكاسة عندما تجاهل الدستور المصري الصادر عقب الاستقلال دور النساء في الكفاح من أجل التحرير وقصر ممارسة الحقوق السياسية على الرجال المصريين. وقد عبرت شعراوي عن خيبة الأمل التي شعرت بها هي وباقي النساء جراء الوعود التي قطعها الرجال الوفديون خلال الكفاح من أجل التحرر ولم يوفوا بها. أدى ذلك إلى انطلاق الاتحاد النسائي المصري في مرحلة جديدة للمطالبة باسترداد الحقوق الضائعة للمرأة المصرية.
للتواصل بصورة مباشرة مع قطاع أوسع من الشعب المصري وباقي الدول العربية ولتسهيل انتشار الفكر النسوي في العالم العربي، أنشأ الاتحاد النسائي المصري مجلة "المرأة المصرية". كتبت هدى شعراوي الاستهلال التحريري لتلك المجلة غير المسبوقة والتي استهدفت الرجال والنساء على حد سواء. وقد كان الشعار المستخدم يرمز لغرض توسيع قاعدة الحركة النسوية. واصلت شعراوي نشاطها كقوة دفع لمشاركة النساء المصريات في المجالات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والخيرية. وباعتبارها رئيسة الاتحاد النسائي المصري، وباسم الإسلام والعروب، دعيت هدى شعراوي للضغط على بريطانيا عقب اقتراحها تقسيم فلسطين.
في الواقع، إن هدى شعراوي قد عملت على الجمع بين نساء الحركة النسوية والإسلامية، والتأكيد على المشاركة السياسية للمرأة، والتضامن بين الرجال والنساء في الدفاع عن القضية الفلسطينية. وأخيراً، ففد ساعد الاتحاد النسائي المصري في توسيع نطاق الحركة النسوية وتعزيز جدول أعمالها في العالم العربي، استناداً على الحركة النسوية المصرية ذات الأربعة وعشرين عاماً.
في 29 نوفمبر 1947، صدر قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة، توفيت بعد ذلك بحوالى الأسبوعين في 12 ديسمبر 1947، بالسكتة القلبية وهي جالسة تكتب بياناً في فراش مرضها، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صفاً واحداً في قضية فلسطين.