يعِد علم الجينوم بإحداث ثورة في مستقبل الرعاية الصحية، فهو علم جريء وشجاع. لكن هذه الثورة قد تكون محبطة أيضًا بسبب افتقارها إلى التنوع، فالمستقبل الذي تعد به ليس للجميع، على الأقل ليس للعرب حتى الآن.
يقول الدكتور سعيد اسماعيل، مدير برنامج قطر جينوم، عضو مؤسسة قطر:" يعدّ التنوع في علم الجينوم تحديًا حقيقيًا، فما بين 75-80 في المائة من المعلومات الجينية في قواعد بيانات الجينوم العالمية هي لأفراد من أصل أوروبي، يليهم 10 في المائة آسيويين، و2 في المائة أفارقة، و1 في المائة من أصل إسباني، وأقل من 1 في المائة للمجموعات الأخرى".
يشبه الجينوم البشري اللغز، فكل عرق يمثل جزءًا من اللغز. في الوقت الحاضر، يتم تحديد بعض أجزاء اللغز بشكل جيد في حالة الأوروبيين. هناك أجزاء أخرى موجودة ولكن بعض القطع لا تزال مفقودة مثل تلك المرتبطة بالأفارقة والآسيويين. مع ذلك، هناك جزء آخر من اللغز غائب تقريبًا - إنه مجرد ثقب واحد كبير - وهذا الجزء يمثل العرب. يوجد حوالي 400 مليون عربي ولكنهم غائبين إلى حد كبير في الدراسات الجينومية العالمية.
أضاف الدكتور اسماعيل:" لكي يستفيد أي عرق من الطب الدقيق، فإن الخطوة الأولى هي ترتيب وفهم الجينومات الخاصة به. هذا هو بالضبط ما ركز عليه برنامج قطر جينوم خلال السنوات الخمس الماضية، حيث عمل بلا كلل ليس فقط من خلال تمثيل دولة قطر في هذا المجال، ولكن أيضًا نيابة عن المنطقة والعالم العربي، وذلك في مساعٍ لإضافة المعلومات التي تحتاجها قاعدة بيانات الجينوم العالمية بشدة.
إذ قمنا بترتيب تسلسل حوالي 20 ألف جينوم قطري، ونحن بصدد إجراء تسلسل لـ 3000 من سكان البلاد العرب غير القطريين لإنشاء أول جينوم مرجعي عربي شامل".
ويعدّ علم الجينوم دراسة لكلّ الجينات التي يتكون منها كائن حيّ وتسمى الجينوم. عند استخدامه لتشخيص المرض، فإن الخطوة الأولى هي تحديد تسلسل جينوم الشخص المصاب؛ ببساطة إنها تكتشف ترتيب ما يقارب 3 مليارات زوج أساسي يشكلون جينوم الشخص.
وأوضح الدكتور إسماعيل:" لمعرفة أي عيوب في الأزواج الأساسية للجينوم، نحتاج إلى معيار يمكننا مقارنته به، وهذا ما يسمى الجينوم المرجعي. إنه قالب جينوم يشتمل على أحدث المعلومات المتوفرة لدينا عن الجينوم البشري، وقد تم إنشاؤه من خلال تجميع عدد كبير من الجينوم".
تتيح لنا مقارنة الجينوم المتسلسل بجينوم مرجعي تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين الاثنين. وهنا تكمن المشكلة، فالجينوم البشري المرجعي الحالي يفتقر إلى حد كبير إلى الطفرات الخاصة بالسكان العرب. ما يعني أنه إذا تمت مقارنة جينوم شخص عربي بجينوم بشري مرجعي أوروبي، فهناك احتمال أن يتم تشخيصه بشكل خاطئ أو عدم تشخيصه.
وفقًا للدكتور إسماعيل، يمكن أن يظهر المرض نفسه من خلال طفرات مختلفة وفي أعراق مختلفة، ويقول: "تشمل الأمثلة الاضطرابات الوراثية مثل التلاسيميا والتليف الكيسي وكذلك السرطانات العائلية مثل سرطان الثدي والقولون، حيث ستجد أن مجموعات سكانية مختلفة قد يكون لها طفرات مسببة مختلفة على طول الجينات ذات الصلة".
يضيف:" حتى الآن، قمنا بتسلسل 20 ألف جينوم قطري، ونأمل في غضون الأشهر القليلة المقبلة أن تشمل الدراسة أيضًا 10 في المائة من السكان القطريين. في حين أن الهدف النهائي هو تسلسل الغالبية العظمى من السكان، علميًا، فإن 10 في المائة جيدة بما يكفي لالتقاط معظم المتغيرات الجينية ذات الصلة من الناحية الطبية" ويتابع: "قد سمح لنا هذا أيضًا بتأسيس أول جينوم مرجعي قطري شامل. نحن نعرف الآن ما هي المكونات الرئيسية للجينوم المرجعي القطري. في هذه العملية، حددنا مؤشرات لم يتم الإبلاغ عنها من قبل وهي فريدة من نوعها بالنسبة للسكان القطريين".
المعلومات الجينومية هي المحرك الرئيسي للطب الدقيق، وقد عمل الفريق في برنامج قطر جينوم، بجهد على مدى السنوات الخمس الماضية لإنشاء مستودع للجينومات المتسلسلة وجعل مجتمع البحث في قطر يستخرج البيانات.
يختتم الدكتور إسماعيل: "تتمثل الخطوة التالية في تحويل الجهود البحثية إلى التنفيذ السريري، ونأمل أن نبدأ ذلك بالتعاون مع مقدمي الرعاية الصحية الآخرين في المستقبل القريب جدًا".